الثلاثاء، 18 يناير 2022

مراجعه فيلم Dual

قد يبدو فيلم Dual مألوفاً من ناحية المفهوم. حيث أنه يروي قصة أشخاص يواجهون مستنسخين تم صنعهم لاسبتدالهم بهم، بشكل شبيه بمسلسلات حديثة مثل Living With Yourself من نيتفليكس وحلقة من مسلسل Solos من أمازون، مما يعكس القلق المتزايد حول فناء الإنسان في عالم رقمي، حيث لم تعد الهوية محصورة بالذات الجسدية. لكن يتعامل المؤلف والمخرج رايلي ستيرنز مع الفكرة بأسلوب مضحك وقاتم، مما يساعده على التركيز على دراما العلاقة في محور الفيلم. يتبع الفيلم قصة امرأة تدعى سارة (كارين غيلان) والتي بعدما علمت بإصابتها بمرض عضال، تُطالب بتشكيل توأم جيني لها لتخفيف حزن والدتها (مايا باونيو) وحبيبها بيتر (بيولا كوالي) على فقدانها. لكن سرعان ما تتعقد الأمور عندما تقرر سارة أن مستنسختها، التي بدأت تسيطر على حياتها، لم تعد مرغوب بها.


ما الذي يحدث بالضبط في هذا السيناريو؟ يقدم الفيلم في الواقع إجابة صريحة جداً في مقدمته، حيث نرى رجلاً ونسخته يشاركان في مبارزة متلفزة ومفوضة قانوناً، لعبة على غرار ألعاب Hunger Games حتى الموت. لكن بالرغم من هذا المشهد الافتتاحي المليء بالآكشن، إلا أن فيلم Dual يتكتم بشكل مقصود عن استكشافه حول سارة. حيث أن حديثها كان متكلفاً ورسمياً جداً عندما تتحدث بالفيديو مع بيتر. تبدو هذه الشخصية وكأنها مأخوذة مباشرة من أحد أفلام المخرج يورغوس لانتيموس. قد تكون أيضاً واحدة من العديد من الأشخاص المستنسخين حديثاً الذين يتعلمون الحلول مكان شخص آخر. حتى عندما تقرر استنساخ نفسها وتعليم نسختها كيف تعيش حياتها، وهي عملية تُعرف باسم "الاستبدال"، فإن سلوكياتها واتخاذها للقرارات تبدو كما لو كانت في وضع الطيار الآلي. لدرجة يتساءل المرء عما إذا كان تشخيصها بالمرض كان بمثابة راحة لها.


يعكس الفيلم من الناحية البصرية مدى ابتعاد سارة عن الآخرين، وعن نفسها. فغالباً ما يكون الإطار مُعتماً، والألوان باهتة، والكاميرة نادراً ما تتحرك. يتم تصوير غيلان غالباً بلقطات معزولة، لذا عليها أن تمشي الخط الفاصل كممثلة بين أداء شخصية باردة وخالية من المشاعر ولكن أيضاً تلفت الأنظار وتثير الفضول. يبدو أن السر يكمن في طريقة إيصالها للحوار، والذي تم حسابه بدقة عالية، لكن في المرات القليلة التي تسمح فيها لنفسها بالتعبير حتى عن شعرة من العاطفة أو الرأي تكون تبعث على الضحك. الأمر أشبه بمشاهدة روبوت يتعلم كيف يكون إنساناً لفترة وجيزة وغير كاملة.

نظراً لأن نسختها ستسمى "بديلة سارة" طالما سارة على قيد الحياة (والتي ستسمى بعد ذلك سارة فحسب)، فإن غيليان تقدم أداءً مشابهاً. لكنها تضيف لمسة من الحياة والنكهة بما يكفي ليكون الاختلاف بين الشخصيتين واضحاً في بعض المناسبات (لديهما لون عينين مختلف، لكن أجواء الفيلم المعتمة غالباً ما تساعد بإخفاء هذا التفصيل). عندما تبدأ بديلة سارة في تعلم روتينها، فإن الطريقة التي تنظر بها غيلان إلى هذه النسخة الجديدة من نفسها تُبرز العديد من المواضيع الرئيسية بالفيلم. تشعر سارة بالطبع أنه يتم استبدالها، ولكن بطريقة تكشف عن ألم عميق ومكبوت يؤكد على الكوميديا ​​السوداء للفيلم. وبعد فترة يبدأ يشبه فيلم دراما انفصال، المليئة بالمشاعر المؤلمة الجياشة ومشاعر عدم الأمان المكشوفة، حيث تشهد سارة صديقها في أحضان شخص جديد.


لكن نظراً لغرور مستنسختها، فهي تعكس في نفس الوقت انفصالها العاطفي، وشعور بالابتعاد حتى عن تجاربها الخاصة بها، كما لو أن الأخبار المدمرة عن الموت الوشيك (وفي هذ الحالة العلاقة المتداعية) أدت إلى أن تشاهد سارة حياتها الخاصة من مسافة بعيدة، بصيغة الغائب. علاوة على ذلك، فإن التوق اليائس الذي تراقب من خلاله سارة نسختها الجديدة (والأحسن منها كما تخشى)، لا يسعه إلا أن يتحول أيضاً إلى شعور بالمثالية تجاه الشخص الذي تتمنى لو كانت عليه.


يقابل أداء غيلان حالة من الغرابة المماثلة في جميع المناطق المحيطة بسارة، والتي تنبع جزئياً من تفاصيل الإنتاج. حيث أن مكان حدوث القصة في الواقع غامض. يبدو أنه قد تم كتابته مع مراعاة المواقع الأمريكية في عين الاعتبار، وكذلك شخصيات أمريكية، وجميعهم لديهم أسماء أمريكية، وجميعهم يتحدثون بالتعابير واللهجة الأمريكية. لكن نظراً لاستمرار انتشار الوباء، تم تصوير الفيلم بالكامل في مدينة تامبيري في فنلندا. يلعب غيلان وكوالي دور أمريكيين، لكن لهجاتهما تبدو مبالغ بها عن قصد وبقوة (كما لو كانوا مدرسين للغة الإنكليزية كلغة ثانية)، بينما الشخصيات من حولهما، التي يلعبها ممثلون فنلنديون في الغالب، تتحدث الإنكليزية إما بلكنتهم المحلية أو بلهجة أمريكية نصف متقنة. وينجح هذا الأمر لصالح أسلوب القصة التي تتكشف بشكل مثقل، لأن النتيجة التي نحصل عليها هي عالم يبدو منفصلاً عن الواقع في كل مرة تتفاعل معه سارة.


يحول المؤلف والمخرج رايلي ستيرنز الاكتئاب وخيبة الأمل إلى مواجهة مضحكة للموت.

لكن لا ينتقل المرح القاسي من النصف الأول إلى الثاني، والذي يتبع في الغالب خضوع سارة لتدريب قاسي مع مدرب قتالي وأسلحة (آرون بول) تحضيراً لمبارزتها، لكن تتضمن هذه المشاهد ما يكفي من الزخم لتكون مسلية. وتحمل هذه المشاهد تحولاً عاطفياً رائعاً، حيث نرى سارة، والتي استسلمت ذات مرة لمصيرها، تريد الآن بشدة البقاء على قيد الحياة، كما لو كان ذلك فقط نكاية ببديلتها، التي يبدو أنها تجعل والدتها وحبيبها أكثر سعادة مما كانت هي تفعل. لكن هذا أيضاً يتبعه ابتعاد الفيلم مؤقتاً عن أقوى عناصره، عندما تأتي مصالحة محتملة وتقوم بإبعاد سارة عن مسار تصادمها بنفسها. يبدأ الفيلم بتقديم أفكار جديدة تسلط الضوء على الآثار النفسية والعاطفية لهذه التجربة الغريبة، لكنها أيضاً تبتعد عن هذه الأفكار بنفس السرعة.


مع موسيقى ملائمة من إنتاج إيما روث راندل، والتي تملأ المشهد الصوتي بنحيب إلكتروني، يكون الفيلم في أفضل حالاته وهو يصور الاكتئاب بجمالية بارعة، مع ومضات عرضية من السريالية الصاخبة بشكل مذهل. يأخذ النصف الثاني من الفيلم بعض المنعطفات التي تعج بتفاصيل حبكة أكثر بكثير من النصف الأول، لكن كل ذلك له ما يبرره في النهاية، حيث أنها تسمح لفيلم Dual بتقديم نسخة أكثر غرابة حتى من فرضيته.


الخلاصة

يقدم Dual قصة خيال علمي كوميدية بشكل سوداوي تضع امرأة تحتضر تدعى سارة (كارين غيلان)، في مسار تصادم مع بديلتها المستنسخة. يحول المؤلف والمخرج رايلي ستيرنز الاكتئاب وخيبة الأمل إلى مواجهة مضحكة للموت وقصة متميزة لصورة الذات في فيلم غريب مع أداء غريب للبطلة على وجه التحديد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مراجعة فيلم The Matrix Resurrections

 غالباً ما يكون الرافضون للأعمال التي تحث الحنين إلى الماضي من الأشخاص الذين ينقدون بشدة أفلام الريميك أو الريبوت أو الأجزاء التالية التي تص...